هذه سيناريوهات إسقاط قانون المسطرة المدنية

اسماعيل الجباري الكرفطي (محامي وأستاذ العلوم السياسية - عن أنفاس)

ليس هناك دستور يكتب على أرض خلاء، إن الدساتير تكتب دائما مع أشياء من الماضي، ويبقى الإشكال الوحيد، هو أنه حين نضع دستورا، فإننا نلج بالضرورة في مرحلة كبرى من اللايقينية، على اعتبار أننا لا نعرف ما الذي سيبقى من الماضي، وما الذي سيصبح غير صالح، لذلك، فإن اللحظات الدستورية هي لحظات توترات كبرى، لأننا نلغي نظاما قديما، ونجعله كذلك” هذا حسب تعبير القاضي الدستوري الفرنسي Michel Troper.

لكن الحكومة من خلال سياساتها التشريعية بشأن قانون المسطرة المدنية والأكثرية المتمسكة بسيادة البرلمان، ما زالت تشتغل في ظل مقتضيات دستور 1996 ببعده الرآسي وتأويلاته المعتمدة على سيادة الاغلبية في خرق لمبادئ دستور 2011 المؤسس على أن القرار العمومي التشريعي، مشترك بين الدولة والمجتمع، وأن التشريع وخلاصاته، يجب أن يحترم المبادئ الدستورية: كمبدأ المساواة أمام القانون ومبدأ التشاركية ومبدأ الحق في الدفاع ومبدأ الحق في التقاضي ومبدأ فصل السلط، ومبدأ الحكامة الجيدة، ومبدأ استقلال القضاء..

‎في هذا السياق تأتي المصادقة على مشروع قانون المسطرة المدنية من طرف الأكثرية البرلمانية التي تستطيع أن تقر ما تشاء من القوانين المحالة لها من الحكومة دون أن تكلف نفسها عناء التمحيص والتدقيق في تلك النصوص قبل إقرارها. وبعد إحالته على مجلس المستشارين إعمالا لمبدأ التداول بين المجلسين، لكن تبقى الكلمة النهائية لمجلس النواب في البث بصفة نهائية في مشاريع القوانين حسب مقتضيات الفصل 84 من الدستور وتوجهات القرار القضاء الدستوري في مجموعة من قراراته. 

‎لئن كان التصويت على مشاريع ومقترحات القوانين هو الذي يجعلها قابلة لأن يصدر الأمر بتنفيذها من قبل الملك، فإن هناك أمرين يؤديان إلى وقف سريان أجل إصدار هذا الأمر، وبالتالي يحولان دون أن يصبح هذا القانون نهائيا، وجاهزا لنشره في الجريدة الرسمية حتى يتسنى له دخول حيز التنفيذ: 

‎ أولا – الإحالة على المحكمة الدستورية 

‎ ثانيا – طلب القراءة الجديدة من طرف الملك

‎ينص الفصل 132/فقرة 2-3 من دستور المملكة ل 28 من رجب 1432 ( فاتح يوليو 2011) على أن “تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور.

‎يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور..”‎

فهناك إحالة إلزامية ترتبط بالقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للبرلمان، وهناك الاحالة الاختيارية التي ترتبط بمجال القانون وقد حدد دستور 2011 من لهم الحق في الإحالة: الملك، رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، خُمس أعضاء مجلس النواب، أربعون عضوا من مجلس المستشارين. ‎

ومن الناحية العملية فإن الإحالة على المحكمة الدستورية لها مسطرة خاصة بضمانات دستورية مهمة لهذا لجأ أصحاب الحق إلى هاته الآلية الدستورية في العديد من الوقائع، حسب العديد من القرارات القضائية الصادرة عن المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية حاليا. ‎

إن هذا التوجه الدستوري المعياري يعطي امكانية وآليات دستورية مؤسساتية للجوء إلى المحكمة الدستورية عبر إعمال أحكام الفقرة الثانية من الفصل 130 من الدستور، هذا من جهة.‎

 كما أن هناك آلية مؤسساتية دستورية تتعلق بطلب القراءة الجديدة والتي كرسها الدستور، والتي يمارسها الملك في شأن كل مشروع أو مقترح قانون، بعد أن يكون هذا الأخير قد تم التصويت عليه بصفة نهائية من طرف البرلمان بمجلسيه. وهي القراءة التي تطلب بخطاب، ولا يمكن أن ترفض حسب مقتضيات الفصل 95 من الدستور. ‎

إذن نحن أمام مسار تشريعي لم يكتمل من حيث المسطرة التشريعية والمسطرة المتبعة بعد المرحلة البرلمانية والرقابة القضائية والرقابة المؤسساتية، لكن هل سيتم اللجوء إلى آلية طلب القراءة الجديدة التي يمارسها الملك حسب مقتضيات الفصل 95 من الدستور وإلى آلية الاحالة على المحكمة الدستورية حسب مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور؟ أم الأمر يتعلق باستمرارية المؤسسات وفاعلية السلط والسياسة مقابل القانون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى